أشعار وأقوال

أسامة مهران يكتب عن بُعد.. سردية سحرية من “أزرق لا مرئي” لأحمد الأنصاري في “القاهرة الدولي للكتاب”

معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي يحتفي بزواره، ويلتقي بعشاقه، ويصافح مريديه، بدأ عرض سلاسل من الكتب الشبابية التي تحكي أدب لا مرئي حيادي يطرح ألوان الطيف بعد أن تغيرت أحوالها، حيث قوس قزح لم يعد مثلما كان قوسًا تحت قرص الشمس الأحمر الدامي، لينحرف عن مساره الأصلي ويتحول شبه منحرف هندسي، هي دائرة الأفق بشكلها العفوي، نصف القطري، أو ثلاثة أرباع القطر، أصبحت مثلثًا غير متساوي الأضلاع، وأحيانًا مربعًا لا يصلح لإطلاق السباقات العالمية في الملاعب الأولمبية الكبرى.

كل شيء تحت الأشعة فوق البنفسجية، وتلك التي هي تحت الحمراء، تأتي إلينا بألوان زاهية جديدة، حاول الأديب الشاب أحمد فكري الأنصاري أن يراها بتلكسوب الخيال المتحول المخيف، وليس بعين عالِم جيولوجي حصيف، فإذا به يأخذنا إلى عالمه اللامرئي، إلى “لازوردياته” المدهشة، ثم إلى سردياته المتوازية من خلال ثلاثة أحداث تجري في عوالم مختلفة، حيث تلتقي جميعها في سردية موحدة مؤهلة فلا تترك القارئ قريبًا من مجتمعه المحيط، ولا تمنحه الحرية المطلقة فيحلق بعيدًا عن السرب.

يقول أحمد الأنصاري في مختصر مفيد: هناك من الفجوات السردية الرابضة في أحلام اليقظة، ما يحرض الخيال على الخروج من فجوة سردية غامضة أشبه بالثقب الأسود الذي يخفي أسرار مجرات الكون، ويحتمي ببئر لا عمق له وكأنه جمجمة كاتب تحلم بأشياء فيجدها في درج مكتبه.

نوع من الفنتازيا القصصية غير القابلة للتحوط أو الحذر، ولا تسترق السمع أو تسحر الزرع والضرع، لكنها تخرج على هيئة قصاصات ملتوية أو على شكل متواليات عددية أشبه بلعبة الدومينو عندما تخطف الأبصار، وتزهق الأرواح، وترحم النفس، هي نفسها جزء من حالة تجريبية على المحك، من حدث لم يحدث، من مرأى ومسمع، ومن جدار شاهق عملاق.

القاص أحمد الأنصاري اشتُهِرَ خلال الفترة القريبة الماضية بتدريس فن كتابة الرواية، بأصول سردياتها، وخصوصية محتواها، وكيفية صياغة شخوصها، و”تدريم” أحداثها.

صحيح أن الأدب ليس علمًا يتم تدريسه، والراوية ليست خاضعة للتلقين والتقليد والنسخ من تجارب ومصاهرات أخرى، لكن المؤكد أن الكتابة عِلمٌ مرتبط بشجرة عائلة تخصصها الشديد يميل إلى تكوين إحداثيات أكثر دراية بأساسيات التخيل، وفنيات وضع الحرف على الحرف، هي في النهاية “صنعة” تعتمد على فسيفساء العبارة أكثر من اعتمادها على رنين المغناطيس، أو على سلاسة القيثارة، هي في جميع الأحوال سردية معنونة بالمُعرّف به، ومخطوطة بديعة لا تشبه عجائب مايكل أنجلو في كوميديته الإلهية، أو ليوناردو دافنشي في أسطورة الموناليزا، أو بيكاسو في ألوانه المشتبكة بحنو مع خطوطه العنيدة الخشنة، أو حتى مع سلفادور دالي في سيريالياته التي تحاكي اللامعقول عندما يقف بعناد أزلي بين الإنسان وظله.

أحمد الأنصاري أصدر من قبل رواية دفتر التكوين عام 2016، كما أصدر رواية حكاية الكائن السرية عن دار روافد للنشر، وله من المقالات عبر المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي ما يؤكد أنه أحد أهم الأصوات المتفردة التي تحاول خلق واقعًا جديدًا بعيدًا كل البعد عن ذلك الذي يتربص بنا في ازدحام مروع، أو احتكاك مرعب، أو إزاحات لها ما يبررها، فجاء “الأزرق اللامرئي” ليؤكد من جديد أن أدب الواقعية السحرية مازال له نصيب من التعاطي مع ثورة الحداثة المركبة، وأنه لن يضل فريسته أينما ذهب طالما أن الشراسة في سبر أغوار سحيقة أصبحت بمثابة التوقيت المناسب لاقتحام المجهول، وأي مجهول.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى