مقالات

سمية عبدالمنعم تكتب: في السرقات الأدبية.. غياب الضمير الجمعي كلمة السر

في لحظات الكشف الأولى يكون الغضب سيدًا للموقف، انفعالنا يطغى على ما عداه، ثم تحين بعدها ساعات من التدبر فيما يجب علينا أن نفعل حيال من سرقنا..

ولأن ما سُرق هنا ليس شيئا ماديا يمكن استعاضته، بل هو جزء من روحنا، نزف من أفكارنا، ورهان يكسب دوما، على أننا مازلنا هاهنا نحيا، لأن ما يسرق هو مداد أقلام مبدعة، أبى السارق إلا أن ينسب في جرأة يحسد عليها، ما يحلو أمام عينيه، وما يعن لضميره منه، ينسبه لذاته دون أن يهتز له جفن؛ لذا فإن الحدث يكون حتما جللا، تتناقله وسائل السوشيال ميديا على امتداد بلد المسروق والسارق، وربما تجاوزتها لأقطار أخرى، خاصة إذا ما انتقل الأمر إلى ساحات المحاكم، أو تحول لمعارك كلامية، تتبارى فيها الأقلام وأسنة الألفاظ على مواقع التواصل الاجتماعى من قِبل فريق هذا وفريق ذاك.

ومثلما تساعد وسائل التكنولوجيا الحديثة في السرقة وإتاحة الإبداع سهلا أمام السارق، فهي في الآن ذاته تتيح كشف تلك السرقة بما استحدث من تطبيقات وبرامج تبرز النص المتشابه وحجم ما تعرض له من سرقة.
وربما كانت تلك الوسائل وحدها هي الرادع والمدافع الأوحد ضد سارقي الإبداع، ذلك أن ما يكفله القانون من مواد حفظ الملكية الفكرية والضرب على يد السارقين، لهو أقل مما يردع هؤلاء، إلى جانب اشتراطه لإثبات السرقة نسبة محددة من النصوص المسروقة داخل العمل الواحد، وعدم اعتباره سرقة الأفكار ضربا من السرقة، وذلك تحقيقا لمبدأ الجاحظ من أن الأفكار مطروحة على قارعة الطرقات ومتاحة للجميع.

هي الضمائر إذن، وحدها الرادع لمن تسول له نفسه السطو على مجهود الآخر، ولا أعني هنا تلك الأزمة الأخلاقية التي قد تعاني منها المجتمعات مما يدفع بالبعض لاستسهال صنع الشهرة على حساب مجهود الغير، بل أعني في المقام الأول تلك الضمائر الجمعية، إن عنّ لي التعبير، فردود أفعال المجتمع تجاه السارق قد تكون كافية للقضاء على تلك الظاهرة، وقد تساعد في انتشارها أكثر.

نعم، فالمجتمعات العربية على وجه الخصوص، ومع ذلك الهوس التكنولوجي وهوس السوشيال ميديا، ترفع من شأن السارق دون وعي منها، فإن كثرة تردد اسمه حتى وإن اقترن بالسباب والاتهام، يؤدي إلى شهرة ذلك السارق، ويوما بعد يوم قد ينسى الناس ماضيه ولا يتذكرون سوى اسمه الأشهر.

أمر آخر ربما لو توافر بيننا لما احتجنا لخوض معارك كلامية لا طائل منها، ذلك أننا نفتقد لجرأة المواجهة، ليس من المسروق، وإنما ممن حوله، سواء كانوا ينتمون للوسط الأدبي أو لغيره، فلا نجد من يقف حتى نهاية المطاف مع المسروق، بل ربما حاول الدفاع لفترة لا تطول، ثم يتملكه الملل، أو يدرك ألا ناقة له في الأمر ولا جمل، فعلام يثير الآخرين عليه، خاصة إذا ما كان أنصار السارق يمتازون بالجرأة ويغدق عليهم صاحبهم أيما إغداق، فمن لنا إذن بعباس محمود العقاد، ليستطيع أن يواجه اللصوص والأفاقين في بطولة لا تكل ولا تمل؟

الرهان إذن -وآمل ألا يكون خاسرًا- على تكاتف أصحاب الحقوق من المبدعين المسروقة أقلامهم، والتفاف رجال الضمائر من غيرهم حولهم، من صحفيين أحرار ورجال قانون شرفاء، وأدباء يعون حجم الكارثة، دون خوف من لوبي السارقين أو ملل من مدة معركة تطول، فاليوم غيري قد يُسرق، وغدا قد أُسرق أنا، عندئذ فقط قد يفكر لصوص الفكر ألف مرة قبل أن تمتد أيديهم على مداد الآخرين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى